نشرت صحيفة "الأهرام" المصرية يوم 23 يوليو عام 2011 النص الكامل للمقابلة الكتابية للمبعوث الصيني الخاص لقضية الشرق الأوسط وو سيكه كما يلي:
- ما هو تقييمكم للوضع في المنطقة، وخاصة مع ظل استمرار التعنت الإسرائيلي إزاء إعادة الأراضي المحتلة في عام 1967؟
ج: تدعم الصين بكل ثبات القضايا العادلة الفلسطينية والعربية لاستعادة الأراضي المحتلة، وتحث إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب عام 1967 وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وهذا لا يمثل فقط الموقف الصيني الثابت، بل يعتبر توافقا دوليا أيضا.
تؤثر قضية فلسطين في مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط، وتتأثر به. إن قضية فلسطين لب قضية الشرق الأوسط، وتؤثر تأثيرا شاملا على أوضاع الشرق الأوسط، وترتبط بالقضايا الساخنة الأخرى في المنطقة ارتباطا وثيقا للغاية. طالما تبقى هذه القضية عالقة بدون حل، فلن تعرف الشرق الأوسط الأمن والأمان. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن أوضاع الشرق الأوسط وخاصة التغيرات الكبيرة التي تشهدها منطقة غربي آسيا وشمالي إفريقيا تزيد من قضية فلسطين تعقيدا إلى حد ما. ولكن، يجب عدم تهميش قضية فلسطين في ظل الاضطرابات في المنطقة، بل بالعكس، تُبرز الصعوبات والتعقيدات في الوقت الراهن أهمية تضافر الجهود الدولية لإيجاد حل شامل وعادل ودائم لهذه القضية في وقت مبكر. إن الصين على استعداد لمشاركة المجتمع الدولي في بذل جهود مستمرة في هذا الصدد.
2- ما هي نتائج الاجتماعات التي تعقدها مع مسؤولي المنطقة خلال زيارتكم، وهل هي تقتصر في مجملها في الاطلاع على الأوضاع ونقل الصورة للقيادة الصينية أم أن المسألة تتخطى هذا الحد؟
ج: دامت قضية الشرق الأوسط لأكثر من ستة عقود، وإن بقاءها دون إيجاد حل سليم وشامل أمر يؤثر على السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط، وظل بؤرة الاهتمام الدولي. لقد قمتُ بجولات عديدة إلى دول المنطقة في السنتين الماضيتين منذ تولي منصب المبعوث الخاص لقضية الشرق الأوسط، حيث تباحثت مع قادة دول المنطقة ومسؤولي وزارات الخارجية ودعاة السلام في فلسطين وإسرائيل والخبراء والمختصين في الدول المعنية حول سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وبذلت جهودا سلمية مكثفة، وذلك حرصا مني على القيام بخطوات ملموسة تُسهم في سرعة إحلال السلام في المنطقة.
إن الصين كونها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي وصديقا موثوقا به لدول المنطقة، ظلت على مدى طويل تقف موقفا عادلا ومنصفا من قضية الشرق الأوسط، ولعبت دورا إيجابيا وبناءا في هذا الصدد، حيث تدعم الصين بشكل دائم وثابت القضايا الفلسطينية والعربية العادلة لاستعادة حقوقها الوطنية المشروعة وتدعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سليم وعادل وشامل لقضية الشرق الأوسط عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية وخطة خارطة الطريق.
3- ما هي رؤية الصين للقدس المحتل في عام 1967؟
ج: تدرك الصين تماما أهمية قضية القدس بالنسبة لفلسطين والدول العربية والأطراف المعنية الأخرى، وترى ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في عام 1967 بما فيها القدس الشرقية. وتتفهم الصين رغبة الجانب الفلسطيني في اتخاذ القدس الشرقية كعاصمة دولة فلسطين المستقلة، وتأمل من الأطراف المعنية إيجاد حل مناسب لقضية القدس بروح التفاهم والتنازل المتبادل، نظرا لتعقيداتها وحساسياتها.
4- ما موقف الصين من الموقف الغربي الرافض للتواصل مع حركة حماس بدعوى عدم اعترافها بإسرائيل، بالرغم من أن الحماس هي جزء من الشعب المحتل أرضه؟
ج: في الآونة الأخيرة، شهدت قضية فلسطين تطورا سريعا ومن أهم جوانبه اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة في بداية شهر مايو الماضي. وتمثل إعادة وحدة الصف الفلسطيني ليس فقط طموحا للشعب الفلسطيني، بل تطلعا طال انتظاره للمجتمع الدولي. وتعرب الصين عن ترحيبها ودعمها لذلك وتثمن مساهمة مصر في إنجاح المصالحة بين الفصائل الفلسطينية. يمكن القول من باب الموضوعية إن حركة حماس تمثل قوة هامة على الساحة السياسية الفلسطينية لا يمكن التغاضي عن وجودها، سواء في أثناء دفع المفاوضات بين فلسطين وإسرائيل أو إقامة دولة فلسطين المستقلة على أساس حل الدولتين. ويجب على المجتمع الدولي أن ينظر إلى حماس بنظرة هادئة وموضوعية ويدعم المصالحة الفلسطينية التي لم تأت بسهولة ويقدم إسهاما إيجابيا ومفيدا في عملية السلام ويدفعها بصورة جدية وفعالة.
5- ما هو تقييم الصين للثورات التي اجتاحت بعض الدول العربية مثل مصر وتونس واليمن وليبيا؟ إلى أين ترى الصين هذه الثورات تقود المنطقة؟
ج: بدأت هذه الحركة الاجتماعية والسياسية في تونس وسرعان ما انتشرت إلى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وفاجأت الجميع من حيث قوتها وسرعة انتشارها. وأرى أن من أهم أسباب هذه العاصفة العوامل الداخلية في الدول المعنية وفي مقدمتها تدهور ظروف المعيشة جراء تداعيات الأزمة المالية الدولية والمشكلات الهيكلية سياسيا واجتماعيا. وباتت شعوب المنطقة في حاجة أكبر من أي وقت مضى إلى حياة أفضل وصوت أقوى في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدانها.
في الوقت الحالي، ما زالت منطقة الشرق الأوسط تشهد تغيرات عميقة واضطرابات مستمرة تتشابك مع الخلافات الدينية والعرقية والقبلية التاريخية، مما يزيد الوضع تعقيدا وصعوبة. كما تزداد أهمية العوامل الخارجية مع تعاظم مشاركة المجتمع الدولي استجابة لتطورات الوضع. ولنبقى نتابع إلى أين ستذهب الأوضاع، إذ أنه من الصعب الآن توقع ما ستقضي إليه في نهاية المطاف.
تتطلع شعوب منطقة الشرق الأوسط إلى السلام والاستقرار بعد سنوات طويلة من المعاناة من ويلات الحرب. وهذه هي أرض الحليب والعسل، وبلد الخيرات الطبيعية والتاريخ والحضارة، فمن حق الشعوب القاطنة على هذه الأرض أن تعيش في السلام والرفاهية. أود أن أشير هنا إلى أن الرئيس هو جينتاو أثناء زيارته إلى دول المنطقة قبل 5 سنوات طرح مبادرة ببناء شرق أوسط متناغم. وإن الصين كصديق وشريك عزيز للدول العربية تأمل في أن تتمكن الدول المعنية من الخروج من الاضطرابات وإيجاد طريق تنموي يتفق مع خصوصيتها من خلال الحوار والتشاور والسير على الضرب الأخضر نحو الاستقرار والانسجام والازدهار في أسرع وقت ممكن. إنني عملتُ وعشتُ أكثر من 10 سنوات في مصر، فأكن مشاعر الصداقة العميقة تجاه الشعب المصري وأتمنى لمصر التقدم والرقي في كافة المجالات و لشعبها السعادة والرفاهية.
6- في ضوء صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال القذافي، ما هي رؤية ومساعي الصين للمشاركة في إنهاء المأساة في ليبيا في ضوء حاكم ظل في الحكم أكثر من 40 عاما وكان ينوي توريث الحكم لابنه سيف الإسلام؟
ج: ترى الصين دائما أن ما يجري في ليبيا شأن داخلي ليبي والشعب الليبي هو الذي يحق له أن يقرر مستقبله. تتفهم الصين تفهما كاملا، وتحترم خيار الشعب الليبي أيا كان.
إن موقف الصين من الأزمة الليبية الراهنة ثابت وواضح ألا وهو أن الصين تدعو الأطراف المعنية إلى وقف فوري لإطلاق النار وحل قضية ليبيا سياسيا عبر الحوار وغيره من الطرق السلمية. لقد استمرت الأزمة الليبية أكثر من 4 شهور حتى الآن، ويعاني الشعب الليبي الآن من ويلات الحرب. ترى الصين أنه في الظروف الحالية، يجب على الأطراف المعنية في القضية الليبية تغليب المصالح الأساسية للوطن والشعب الليبي، والحرص على السلام والاستقرار في المنطقة، والتجاوب الإيجابي مع مبادرة السلام المطروحة من قبل الاتحاد الإفريقي ومساعيه الحميدة، واتخاذ موقف أكثر مرونة وعملية لفتح عملية مفاوضات سلمية في أسرع وقت ممكن والتوصل إلى نتيجة جوهرية تساعد على سرعة إنهاء الأزمة الليبية.
ظلت الصين تعمل على دفع حل القضية الليبية سياسيا منذ اندلاع الأزمة، وتدعم كل الجهود الدولية التي تساهم في حل القضية الليبية حلا سياسيا. وترى الصين ضرورة تفعيل دور الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في تخفيف حدة التوتر في ليبيا. وقد استقبلت الصين مؤخرا زيارة كل من السيد عبدالعاطي إبراهيم العبيدي المبعوث الخاص للحكومة الليبية ووزير الخارجية الليبي والسيد محمود جبريل رئيس اللجنة التنفيذية للمجلس الوطني الانتقالي الليبي على التوالي حيث بذلت الصين جهودا إيجابية لدى الطرفين لدفع مفاوضات سلمية. وستواصل الصين العمل مع المجتمع الدولي على دفع الأزمة الليبية نحو الحل السياسي.
بالتوازي مع ذلك، قدمت الصين إلى مصر منحة نقدية قدرها مليون دولار وإلى تونس مساعدة عينية قيمتها 30.3 مليون يوان ومنحة نقدية قدرها مليوني دولار في إطار مساعدة هاذين البلدين على إيواء اللاجئين في المناطق الحدودية مع ليبيا وتحسين الأوضاع الإنسانية المتدهورة هناك بصورة فعالة. تقوم الصين حاليا بتقييم الوضع الإنساني في ليبيا، وستفكر بصورة إيجابية في تقديم مساعدة إنسانية جديدة.
7- هل تنوي الصين دعم مصر وثورتها، وبأي شكل؟
ج: إن مصر بلد ذو وزن في العالم العربي والقارة الإفريقية. ويصب الاستقرار والتنمية في مصر في مصلحة الاستقرار والأمن في المنطقة برمتها. تحترم الصين كونها بلدا صديقا لمصر حق الشعب المصري في اختيار النظام السياسي والطريق التنموي بما يتوافق مع ظروفها الوطنية، وتثق بأن الشعب المصري كصاحب الحضارة العريقة لديه الحكمة والقدرة على تحقيق هذا الهدف. تعارض الصين تدخل القوى الأجنبية في الشؤون الداخلية لمصر. منذ مارس الماضي، قام كل من وزير الخارجية الصيني يانغ جيتشي ونائب وزير الخارجية الصيني تشاي جيون ونائب وزير التجارة الصيني فو تسيينغ بزيارات إلى مصر للتباحث مع الجانب المصري بشكل معمق حول سبل زيادة توطيد وتعميق التعاون المتبادل المنفعة بين البلدين في شتي المجالات ودعم جهود مصر الرامية إلى استعادة التنمية الاقتصادية ودفع التغيير الاجتماعي. قدّمنا لمصر مساعدة بلا مقابل قدرها 60 مليون يوان ومساعدة إنسانية نقدية عاجلة قدرها مليون دولار لإيواء اللاجئين العالقين في المناطق الحدودية مع ليبيا. كما قمنا بتعديل مستوى التحذير من السفر إلى مصر في حينه وسبقت الشركات الصينية الشركات الأجنبية الأخرى للعودة إلى العمل في مصر. وكل ذلك يدل على تفهّم ودعم الجانب الصيني للجانب المصري. وستواصل الصين تقديم ما في وسعها من المساعدة لمصر في المستقبل.